للوهلة الأولى يتراءى للإنسان أن انفتاح قنوات الاتصال على مصراعيها والتطور التكنولوجي المعلوماتي، وانفتاح حريات التعبير عبر الوسائط الالكترونية المختلفة هي غاية المنى التي ستؤدي إلى إسعاد البشر ظناً بأن المعلومات سوف تنتقل بسرعة في مختلف بقاع الأرض كاشفة للحقائق بسهولة ويسر ودون أي تشويه.
هذا الاعتقاد دفع بالعالم إلى الاندفاع نحو فكرة تعزيز مبدأ إتاحة المعلومات بأغلى الأثمان سواء كانت هذه المعلومات موثقة أو غير موثقة، رسمية أو غير ذلك، بالإضافة إلى زخم هائل من الآراء والأفكار الرصينة أو الشاذة المتنقلة بحرية عبر المجالات الفضائية. لقد «بتنا تحت قصف المعلومات،» مقولة صادرة من أحد علماء المعلومات يعبر فيها عن شعور بالخوف والقلق لما آل إليه العالم في جو التطور والانفتاح اللا محدود، وأحياناً اللا مسؤول في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولعله من المفيد هنا استذكار خلاصة توصلت إليها احدى الدراسات قبل أعوام، تحذر فيها من موجة مصاحبة لتطور وانتشار وسائل الاتصال تتسم بالتضليل والتمويه وقلب الحقائق وتشويش الجماهير، وهو ما يسمى بالإعلام «القذر» متخذة من تطور تكنولوجيا المعلومات مطية لتحقيق أهدافها.
لقد أصبحت وسائل الاتصال الحديثة المطلوقة العنان وغير الخاضعة لضوابط عبئا على الأفراد والمجتمعات وحتى الدول. ففي بعض الحالات تعجز بعض الدول الصغيرة في مواجهة تعقيدات فتح مجالها لأنماط من وسائل الاتصال دون حدود وضوابط ما يؤدي الى استغلال دول كبرى ومتطورة لهذه الوسائل بشكل يضر مجمتعات الدول الصغرى أو حتى أمنها، وقد انعكس ذلك في تصريح لم يلق كثيرون له بالاً على أهميته لقائد شرطة دبي ضاحي خلفان عن عملية استخدام جهاز بلاك بيري الحديث للتجسس على الإمارة من قبل دولتين أخريين متطورتين تكنولوجيا.
ويكون الاستخدام «القذر» أحياناً غير مباشر وذلك في إطلاق زخم كبير من المعلومات المضللة والمتضاربة، ونشر التقارير غير الموثقة والاشاعات بغرض التشويش على الحقائق وأسس البحث عنها.
«لقد بتنا تحت قصف المعلومات» غثها وسمينها، عبر وسائل متعددة تخترق حدود الدول الجغرافية والسياسية، وتقفز على أجوائها الاجتماعية وهي غير خاضعة لميثاق شرف إعلامي، ولا لقوانين دولة، ولا لشرائع سماء، ولا لقيم إنسانية، مثل ما ينشر في أحيان كثيرة بلا إذن من أحد في ماكينة البحث اليوتيوب، التي قلبت النظام الكوني الإنساني القائم على الستر، وحولته هذه الماكينة إلى نظام للهتك ونشر الفضائح.
سابقاً كانت المشكلة تكمن في الأمية وعدم قدرة الكثير من الناس الحصول على المعلومة حين كان الحصول عليها يتطلب التنقل أحياناً لمسافات طويلة، وقضاء أياما في السفر وربما أشهر، وقضاء ساعات من البحث بين المكتبات وفيها وبين أسطر الكتب ليحصل الباحث على ضالته. أما الآن فقد بات الحصول على المعلومة سلساً وسهلاً لكن المشكلة تكمن في كثرة المعلومات بغثها وسمينها، مع وجود جهات غير واضحة توجه المعلومات بطرق تضليلية لتحقيق أهدافها.
لقد أصبح تزاحم المعلومات واندفاعها وزجها برؤوس الناس مصدر ازعاج للمتابع والسياسي والمسؤول ورجال الإعلام فما هي حال الانسان العادي؟
لقد صار العقل البشري عاجزاً أمام اندفاع السيل الجارف من المعلومات في وقت يحتاج فيه العقل إلى رتابة مطلوبة لاستيعاب المعلومة وتحليلها ووضعها في إطار ذهني مناسب.
في السابق لم تكن تتسلل المعلومة إلى عقل الإنسان إلا وقد مرت بأنواع من الرقابة والتفتيش والمنع في ظل قوانين وحدود كل دولة، وتحولت هذه السلبية في حالة الفقر بالمعلومات إلى حالة سلبية أخرى عندما تحولت المعلومات الكثيفة الموجهة وغير الموجهة إلى صخور وقطع نارية تتطاير في الفضاء الواسع كأنها الشهب والنيازك المتقاذفة لكن مرماها هو عقول البشر، فأمزجتهم، ثم نفسياتهم، فأعصابهم، وختاماً سلوكهم.
في ظل هذا التحدي لن يكون من السهل إيجاد حلول سهلة لثورة تكنولوجيا المعلومات وما يرافقها من سلبيات كثيرة غير محدودة، ولي
0 التعليقات:
إرسال تعليق